مما يميز قيم التربية الإسلامية عن غيرها من القيم معرفة خصائصها والتي بمعرفتها يزداد المرء ثقة وقناعة بكونها حلا لمشاكل البشرية ووسيلة لإسعادهم في الدارين .
وفيما يلي عرض لأهم تلك الخصائص:-
أولا : الربانية :
وهي من أعظم مزايا القيم الإسلامية على الإطلاق ، وذلك أن الوحي الإلهي هو الذي وضع أصل لها وحدد معالمها ، قال تعالى { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } الواقعة ( 80) ، ( المانع ، 1426 ، 152 ) .
والقيم الإسلامية ربانية المصدر و المنهج والغاية والهدف :
- فهي ربانية المصدر :
باعتبارها جزء من حيث يقول الحق عز وجل { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًىوَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } النحل ( 89 ) .
- وهي ربانية المنهج :
وفي ذلك يقول تعالى {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي } يوسف ( 108 ) .
- وهي كذلك ربانية الهدف والغاية :
حيث بصرف التربية الإسلامية إلى غاية عظمى وهي مرضاة الله عز وجل قال تعالى{وَمَاخَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات ( 56 ) ( خباط ، 2004 ، 62-63 )
ويترتب على أن القيم من عند الله تعالى عدة اعتبارات منها :
أ- أن القيم تتسم بالعدل :
فالعدل في الإسلام مطلق وبعيد عن أهواء البشر ، قال تعالى { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} النساء ( 58 ) .
ب- أن القيم تتصف بالقدسية :
تُحترم وتلتزم القيم في الإسلام لأنها تقوم على الإيمان . ( د. سامية عبدالرحمن ـــ القيم الأخلاقية ص ( 39 ) ).
جـ- أن القيم تنال ثقة المسلم :
باعتبارها مستمدة من كتاب الله فإن ذلك يؤدي إلى شعور عميق بالثقة الكاملة بتلك القيم .( د. نادية شريف العمري ، ص ( 20 ) ).
د- ارتباط القيم بالجزاء الدنيوي والأخروي :
فالتزام شرائع الإسلام وقيمه مرتبط بالترغيب والترهيب وبالوعد والوعيد قال تعالى :
{ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا} الجن ( 16 ) .
- ثاني السمات: الوضوح :
ويدل على ذلك وصف القرآن وهو مصدرها الأول بأنه كتاب مبين ونور وهدى للناس ، وتبيان ، والفرقان والبرهان ، وما ذلك إلا لوضوحه قال تعالى { قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} المائدة ( 15 ) ( الجمل ، 1416 ، 25 ) .
- ثالثا : الوسطية :
وذلك بالجمع بين الشئ ومقابله ، بلا غلو ولا تفريط ، فمن ذلك التوازن بين الدنيا والآخرة ، قال تعالى { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } القصص ( 77 ) .
ومن ذلك الوسطية والتوسط في الإنفاق والعاطفة وتوفية مطلب الجسد والروح .
قال تعالى{ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَاكُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا } الإسراء ( 29 ) .
- رابعاً : الواقعية :
قال تعالى { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } البقرة ( 286 ) .
فالقيم الإسلامية واقعية يمكن تطبيقها لا تكليف فيها بما لا يطاق ، ولا تغرق في المثالية التي تقعد بالناس عن الامتثال ،
فالعبادات واقعية ، والأخلاق واقعية ، والقيم كذلك واقعية راعت الطاقة المحدودة للناس فاعترفت بالضعف البشري وبالدافع البشري ، والحاجات المادية ، وبالحاجات النفسية . ( القرني ، 1426 ، 136 ) .
ويضرب الدكتور خالد رضا الصمدي على ذلك مثالا فيقول:
" فالعدل على سبيل المثال قيمة إسلامية راسخة ، ولكن تحقيقه في الواقع مدافعة للظلم بقدر الاستطاعة ، ولذلك كان رسول الله يقول : « إنما أنا بشر ، وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ؛ فأحسب أنه صدق ؛ فأقضي له بذلك !فمن قضيت له بحق مسلم ؛ فإنما هي قطعة من نار ! فليأخذها أو ليتركها ! » رواه البخاري في كتاب المظالم والغصب .
والحب قيمة إسلامية عظمى ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العدل بين زوجاته في هذا الجانب كان يقول : « اللهم ! هذه قسمتي في ما أملك ؛ فلا تلمني فيما لا أملك » رواه الترمذي في كتاب النكاح ، يعني الميل العاطفي .
- خامساً: العالمية والإنسانية:
فقيم الإسلام التي تضمنتها رسالة الأنبياء والرسل كافة وختمها محمد صلى الله عليه وسلم ؛ ليست للمسلمين بخصوصهم وإنما هي منفتحة على سائر الأمم والشعوب ، ينهلون منها فتقوّم سلوكاتهم ، وتعدل من اتجاهاتهم ، فتكون هذه العالمية مدخلاً إلى الإسلام عند كثير من الأمم والشعوب والأفراد .
وقد أخذ محمد صلى الله عليه وسلم بهذه القيم العالمية وجاء ليتممها ، فقال صلى الله عليه وسلم : « إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق » .
سادساً: قيامها على أساس الشمول والتكامل :
أ- الشمول :
( فهي لم تدع جانباً من جوانب الحياة الإنسانية بجميع مجالاتها روحية كانت أوجسمية ،دينية أو دنيوية ، القلبية أو عاطفية ، فردية أو جماعية إلا رسمت له الطريق الأمثل للسلوك الرفيع ، فللفكر قيم ، وللاعتقاد قيم ، وللنفس قيم ، وللسلوك الظاهر قيم ) .
( وصفة الشمول جعلت القيم ذات امتداد أفقي واسع ، شمل التصور الاعتقادي والمنهج التشريعي والسلوك الاجتماعي )).( المانع ، 156 ، 157 )
ولقد أفرد ، د/ علي خليل أبو العينين ملحقاً لكتابة القيم الإسلامية والتربية وعنون له ب ( نسق القيم الإسلامية من القرآن والسنة ) ، اشتمل على:
( القيم الروحية 21 قيمة ) ( القيم الخلقية 33 قيمة ) ( القيم العلمية والمعرفية21 قيمة ) ( القيم الاجتماعية 97 قيمة ) ( القيم الوجدانية 12 قيمة ) ( القيم المادية 11 قيمة ) القيمة الجمالية 10 قيم ) . (أبو العينين ، 1408 ،207 إلى 320 )
ب- التكامل :
تتمثل نظرة التربية الإسلامية في الغاية والهدف تمثلها في الوسيلة ،فالإحسان للآخرين وأن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه جزء مكمل للعبادة ، كما أن التفكر في ملكوت السموات والأرض وآيات الله في الكون جزء مكمل للعبادة.
والتربية الإسلامية لا تقتصر على الأسلوب النظري ، بل لا بد أن يكون هناك الجانب التطبيقي ،كما أن التربية الإسلامية إضافة لاهتمامها بالفرد كوحدة واحدة فهي لا تفصله عن محيطه الاجتماعي، بل وتهتم به كجزء من المجتمع الذي يعيش فيه ، (خياط ، 1424 ، ( 77 -78 ) ،مما يرسم في نهاية المطاف لوحة بديعة التنسيق تجمع للمسلم بين خيري الدنيا والآخرة .
سابعاً: الثبات والاستمرارية:
وتستمد القيم الإسلامية استمراريتها من صلاحية مصادرها لكل زمان ومكان ،قال تعالى :
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } ( الأنبياء : 107 ) .
ومن مظاهر الاستمرار في القيم الإسلامية تكرر حدوثها في سلوكيات الناس حتى تستقر ، قال صلى الله عليه وسلم : « لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً » [) رواه الإمام أحمد في مسنده .
فالصدّيق لا يطلب منه أن يصدق مرة ويكذب مرات ، وإنما المطلوب أن يستمر هذا السلوك في تصرفاته طول حياته حتى يستحق هذا اللقب .
يقول الدكتور أحمد مهدي عبد الحليم : « ومن الخصائص الأساسية في القيمة تكرار حدوثها بصفة مستمرة ، فمن يصدق مرة أو مرات لا يوصف بأنه فاضل في سلوكه ، وإنما تتأكد القيمة وتبرز الفضيلة الخلقية في سلوك الإنسان إذا تكرر حدوثها بصورة تجعلها عادة مستحكمة أو جزءاً من النسيج العقلي والسلوكي لصاحبها وعنواناً لهويته » ( عبد الحليم 65 ،66 ، 1992م] .)
- ثامناً : الإيجابية :
والمقصود بها أن يتعدى الخير للآخرين فلا يكفي كون الإنسان صالحاً في نفسه بل يكون صالحاً ومصلحاً ، يتفاعل مع المجتمع وينشر الخير ، ويعلم الجاهل ، ويرشد الضال وتأتي هذه الإيجابية للقيم من إيجابية الإسلام نفسه فهو دين إيجابي مؤثر ليس من طبيعته الانكماش والانعزال والسلبية . ( المانع ، 1425 ،160 )
ويقول الدكتور محمد جميل خياط : "فالتربية تحرك الجانب الايجابي الفطري في الإنسان ،وتهذب وتصقل الاتجاهات أو الجوانب السلبية لديه أو تحولها إلى قوة موجبة تعمل على إعمار الأرض أي أنها تعمل على غرس الأخلاق والسلوك الفاضل ( خياط ، 1424 ،ص75 ) .
- تاسعاً : التكيف والمرونة:
ذلكم أن القيم الإسلامية قابلة للتحقق في المجتمع بمختلف الوسائل والطرق ،وتتكيف مع مختلف الأحوال والأزمان والأمصار دون أن يؤثر ذلك في جوهرها ،فالعدل يتحقق في المجتمع عبر مؤسسات مختلفة قد تخلقها الدولة بحسب حاجتها وعلى قدر إمكاناتها ؛ المهم أن يتحقق العدل ، وقد يتحقق في مختلف مظاهر الحياة العامة داخل الأسرة وفي الأسواق وفي المنظمات والهيئات وغير ذلك بصور شتى وبوسائل مختلفة ، والأصل في ذلك قوله تعالى : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَاقُرْبَى } ( الأنعام : 152 ) .
ولذلك لم تضع التربية الإسلامية لقيمها قوالب منظمة جاهزة لا بد أن تفرغ فيها ، وإنما أمرت بضرورة تحقق الجوهر بأشكال مختلفة تستجيب لحاجات الزمان والمكان والأحوال .
فأمرت بتحقيق الشورى في المجتمع ولم تحدد الكيفية والوسيلة ،
وأمرت بأداء الأمانات إلى أهلها مطلق الأمانات بعد حفظها ولم تحدد وسائل الحفظ ؛لأنها متغيرة ،
وأمرت بالتكافل الاجتماعي ، وتركت طرق تحقيقه مفتوحة على اجتهادات المقدمين عليه ،
وأمرت بالإنفاق في سبيل الله ؛ مطلق سبيل الله ليعم الخير كلَّ مناحي الحياة ، ويغطي حاجات الناس المتجددة .
ومن مظاهر التكيف في القيم الإسلامية ؛ قابليتها للتداول بكل أنواع الخطاب من :
الوعظ الإرشاد إلى الخطابة ، فالكتابة والنشر ، إلى الوسائل السمعية البصرية إلى التقنيات الحديثة للتواصل من إعلاميات وإنترنت وغيرها ، ومعلوم أن كل خطاب يحمل قيمة من القيم .
والقيم لإسلامية أولى أن تحملها وسائل التواصل هذه ؛إذ ينبغي أن تحمل إلى كل أهل عصر بما ساد عندهم من وسائل ، حتى تكون قادرة على التأثير في سلوكياتهم والتعديل من اتجاهاتهم وتشكيل تصوراتهم .
ومن مظاهر التكيف أيضاً قدرة هذه القيم على الاستجابة لحالة متلقيها العمرية والنفسية والوجدانية والعقلية ، فلكل أسلوبه وطريقه ومنهجه ، فالمربون الناقلون للقيم الإسلامية لهم قدرات وطاقات ، والمتعلمون لهم قدرات وطاقات أيضاً ؛ ولهذا لم يكن للنظرية التربوية الإسلامية الحاملة للقيم خطاب واحد ، وإنما يتنوع خطابها بفعل مرونته ويتكيف مع مختلف الحالات ، فما أنتجه العلماء في أدب العالم والمتعلم يختلف من سياسة الصبيان إلى سياسة الغلمان ، فسياسة من قوي عوده وعزم على طول الرحلة والطلب والتفرغ للعلم تختلف عن غيرهم وهكذا .