:بيفغ:
بسم الله الرحمن الرحيم
اولا:عبد المطلب جد الرسول
سلم
كان عبد المطلب من سادات قريش، محافظاً على العهود، متخلقاً بمكارم الأخلاق، يحب المساكين، ويقوم على خدمة الحجيج، ويطعم في الأزمات، حتى كان يطعم الوحوش والطير في رؤوس الجبال، وكان شريفاً مطاعاً جواداً، وكانت قريش تسميه الفياض لسخائه، وهو الذي عقد الحلف بين قريش وبين النجاشي.
وكان عبد المطلب يشغل منصب الرئاسة في قومه، فهو رئيس بني هاشم وبني المطلب في حرب الفجار، وكان في قومه شريفاً وشاعراً، ولم يدرك الإسلام.
وأسلم من أولاده، حمزة بن عبد المطلب ، و العباس ، و عاتكه ، و صفية ، ومن بناته أيضا: البيضاء أم حكيم ، برة بنت عبد المطلب ، و عاتكة أم عبد الله بن أبي أمية ، و صفية أم الر بن العوام ، وأروى أم آل جحش .
وكان عبد الله أحب الأبناء إلى قلب والده عبد المطلب حيث كانت له منزلة جليلة القدر، وحدث ذات مرة أن نذر عبد المطلب إن رزقه الله عشرة من الولد أن ينحر أحدهم، فلما رزقه الله عشرة من الولد، أقرع بينهم أيهم ينحر، فوقعت القرعة على عبد الله ابنه الأصغر، وكان أحب الناس إليه، فقال عبد المطلب: اللهم هو أو مائة من الإبل، ثم أقرع بينه وبين مائة من الإبل، فوقعت القرعة على مائة من الإبل. وهذه الحادثة فيها دلالة على حفظ الله تعالى لوالد النبي
سلم.
وبعد ذلك اختار عبد المطلب زوجة لابنه عبد الله ، وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ، وكانت يومئذ تعد أفضل امرأة في قريش نسبًا وموضعًا، وأبوها سيد بني زهرة نسبًا وشرفًا، فزوجه بها، فبنى بها عبد الله في مكة، ثم خرج بعد أشهر من بنائه بآمنة ، يضرب مناكب الأرض ابتغاء الرزق، وذهب في رحلة الصيف إلى الشام، فذهب ولم يعد، وبعدها عادت القافلة تحمل أنباء مرضه، وبعدها خبر وفاته، وكانت وفاته قبل أن يولد رسول الله
سلم،.
ولما ولدت آمنة النبي
سلم أرسلت به إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده، فجاء مستبشرًا ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له. واختار له اسم محمد ـ وهذا الاسم لم يكن العرب يألفونه، لذلك سألوه: لم رغب عن أسماء آبائه؟ فأجاب: أردت أن يحمده الله في السماء، وأن يحمده الخلق في الأرض.
وقد رويت أخبار تبين مدى عناية عبد المطلب برسول الله
سلم بعد وفاة أمه آمنة ، فمن ذلك ما رواه أبو يعلى بإسناد حسن، أن عبد المطلب أرسل محمدا ذات مرة ليتبع إبلاً ضلت، فتأخر عليه حتى حزن حزنا شديدا، وعندما عاد محمد بالإبل أقسم ألا يبعثه في حاجة له أبدا ولا يفارقه بعد هذا أبدا.
وكان مما روي عن عبد المطلب في ذلك أنه كان يقرب رسول الله منه ولا يدع أحد يدخل عليه وهو نائم، وكان لا ينام إلا ومحمد بجانبه، ولا يخرج من البيت إلا وهو معه، وكان له مجلس لا يجلس عليه غيره، وكان له فراش في ظل الكعبة يجلس حوله بنوه ويجلس عليه النبي مع جده.
وظل عبد المطلب يحوط النبي
سلم ويضعه تحت رعايته، حتى أحس عبد المطلب بلحظة الفراق، فرأى من نفسه أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب ، ثم توفي عبد المطلب وعمر النبي
سلم ثمان سنوات
ولادة الرسول
سلم
للعظماء شأنهم المبكر منذ ولادتهم، فكيف إذا كان العظيم هو محمد
سلم، سيد الخلق، وأفضل الرسل، وخاتم الأنبياء، الذي أحاطته الرعاية الربانية، والعناية الإلهية، وهيأ الله له الظروف مع صعوبتها، وحماه من الشدائد مع حدتها، وسخر له القلوب مع كفرها وضلالها.
ولد
سلم يتيم الأب، حيث فقد أباه قبل مولده، وقد أشار القرآن إلى يتمه، فقال تعالى: { ألم يجدك يتِيما فآوى } (الضحى:6)، وقال أنس رضي الله عنه: ( ولدت آمنة رسول الله
سلم بعد ما توفي أبوه) رواه مسلم.
وكان مولده
سلم بشعب بني هاشم في مكة المكرمة صبيحة يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، الموافق العشرين أو الثاني والعشرين من شهر إبريل سنة 571م، وقيل إنه ولد في العاشر من ربيع الأول، وقيل في الثاني من ربيع الأول، وقد ولد في أشرف بيت من بيوت العرب، فهو من أشرف فروع قريش، وهم بنو هاشم.
وكان استبشار جده عبدالمطلب بولادته كبيرا، وفرحه بحفيده كثيرا، وأعلن ذلك بين الملأ من خلال قيامه بالواجب نحو اليتيم، واختياره له الاسم الجميل "محمد" ولم يكن معروفاً عند العرب.
وكانت ولادته عام الفيل، بعد الحادثة المشهورة التي ذكرها الله - عز وجل- في كتابه، قال تعالى: { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } (الفيل:1)، ويرى ابن القيم أن حادثة الفيل كانت توطئة وإرهاصاً لظهوره
سلم، حيث دفع الله نصارى الحبشة عن الكعبة، دون حولٍ من العرب المشركين، تعظيماً لبيته.
وأول من أرضع رسول الله
سلم بعد أمه، ثويبة مولاة أبي لهب التي أرضعت حمزة أيضاً، ولما كانت عادة حواضر العرب أن يرسلوا أبنائهم إلى البادية للرضاعة، إبعادا لهم عن أمراض الحواضر، ومن أجل تقوية أجسامهم، وإتقان اللسان العربي في مهدهم، دُفع بمحمد إلى حليمة السعدية من بني سعد، التي نالت الخير والبركة بذلك النبي المبارك، فأمضى رسول الله
سلم السنوات الأربع الأولى من طفولته في صحراء بني سعد، فنشأ قوي البنية، سليم الجسم، فصيح اللسان، جريء الجنان، يُحسن ركوب الخيل على صغر سنه،
سلم.
ثم جاءت حادثة شق الصدر، والتي كانت في بادية بني سعد وعمره آنذاك أربع سنين كما ذكر أهل السير، فقد روى مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله
سلم أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طَسْت من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمَه ـ أي جمعه وضم بعضه إلى بعض ـ ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ـ يعنى مرضعته ـ فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو مُنْتَقِعُ اللون ـ أي متغير اللون ـ قال أنس : وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.
وبهذه الحادثة الكريمة، نال -
سلم- شرف التطهير من حظ الشيطان ووساوسه، مع ما حباه الله به من حفظ وبعد عن أدران الشرك وعبادة الأصنام، فكان تهيؤه للنبوة والوحي منذ الصغر.
وبعد هذه الحادثة خشيت مرضعته عليه فأعادته إلى أمه الحنون، كي يلقى الرعاية والاهتمام منها.
ثم ظل رسول الله -
سلم- في رعاية أمه آمنة بنت وهب وكفالة جده عبدالمطلب ، إلى أن توفيت في الأبواء بين مكة والمدينة، وكان عمره آنذاك ست سنين.
ثم قام بالاعتناء به جده عبدالمطلب إلى أن توفي وكان عمر النبي
سلم ثمان سنوات، فوصى به إلى عمه أبي طالب، وظل تحت رعاية عمه إلى قبيل الهجرة بثلاث سنوات.
ولما بلغ الأربعين بُعث للعالمين، بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
لقد كان مولد النبي -
سلم- وبعثته مولدا لنور الإسلام، وضياء الحق المبين، الذي تبددت به ظلمات الشرك والكفر، وزال به الران الذي طُبع على قلوب كثير من الناس.
وإنك لتعجب من أناس فرقوا بين النورين، وخالفوا بين الأمرين، فهم يتذكرون ولادته -
سلم- ولا ينسونها، وفي المقابل تجدهم تاركيين لجملة من شريعته، ومقصرين في اتباع هديه
سلم، مع أن أمر الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم على خلاف ذلك، فقد تمسكوا بهذا الدين، وقاموا به خير قيام، حتى كانت حياتهم ومماتهم لأجل هذا الدين، ولأجل تلك العقيدة.
لقد عرف الصحابة رضي الله عنهم كيف يعبرون عن فرحتهم برسول الله -
سلم-، وبالنور الذي جاء به، فبذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الدين، فتقبلهم ربهم بقبول حسن، وأسكنهم جنات عدن التي وعدهم، ثم جاء أقوام بعدهم فجعلوا فرحهم برسول الله -
سلم- وبالنور الذي جاء به مقتصرا على احتفالات محدثة وأفعال جوفاء، وترانيم هزيلة، لا تفي بقدر هذا الدين، وما يتطلبه من بذل وتضحية، فلم يوفوا حق نبيهم، ولم يقتدوا بسلفهم، وأنت ترى ما عليه المسلمون اليوم من تعلق بظواهر ومناسبات، وتركهم اللب والمهمات.
فحري بنا أن تكون ذكرانا لمولد نبينا -
سلم- كل يوم، وأن تكون هذه الذكرى ذكرى لسيرته وشريعته، وأن يدفعنا ذلك إلى الاقتداء بسنته والاهتداء بهديه في سائر شؤون حياتنا، وصدق الله إذ يقول {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } (الأحزاب:21) .
حادثة الفيل
لقد توالت الأحداث العظيمة والآيات الربانية قبل البعثة النبوية، وكان من أهم الأحداث التي سبقت ميلاد النبي
سلم وبعثته، حادثة تعرضت لها الكعبة المشرفة قص الله نبأها وسجل وقائعها في القرآن الكريم، فما خبر هذه الحادثة ؟ :
ذكرت كُتب السيرة أن أبرهة الحبشي كان نائباً للنجاشي على اليمن، فرأى العرب يحجون إلى الكعبة ويعظمونها، فلم يرق له ذلك، وأراد أن يصرف الناس عنها،فبني كنيسة كبيرة بصنعاء ليحج الناس إليها بدلاً من الكعبة، فلما سمع بذلك رجل من بني كنانة دخل الكنيسة ليلاً، فبال وتغوط فيها، فلما علم أبرهة بذلك سأل عن الفاعل، فقيل له: صنع هذا رجل من العرب من أهل البيت الذي تحج العرب إليه بمكة، فغضب أبرهة وحلف أن يذهب إلى مكة ليهدمها، فجهَّز جيشاً كبيرا، وأنطلق قاصداً البيت العتيق يريد هدمه، وكان من جملة دوابهم التي يركبون عليها الفيل- الذي لا تعرفه العرب بأرضها- فأصاب العرب خوفٌ شديد،ٌ ولم يجد أبرهة في طريقه إلا مقاومة يسيرة من بعض القبائل العربية التي تعظم البيت، أما أهل مكة فقد تحصنوا في الجبال ولم يقاوموه.
وجاء عبد المطلب يطلب إبلاً له أخذها جيش أبرهة، فقال له أبرهة : كنتَ قد أعجبتني حين رأيتُك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أخذتها منك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك، قد جئتُ لهدمه، لا تكلمني فيه ! قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت رباً يحميه، فقال أبرهة: ما كان ليمتنع مني ، قال عبد المطلب : أنت وذاك.وأنشد يقول:
لاهُمَّ إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبنَّ صليبهم ومحالهم غدواً محالك
إن كنتَ تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدا لك
وأما قريش ففروا من أرض الحرم إلى رؤوس الجبال، يحتمون بها، ويترقبون ما الذي سيحل بأبرهة وقومه.
فلما أصبح أبرهة عبأ جيشه، وهيأَ فيله لدخول مكة ، فلما كان في وادي محسر-بين مزدلفة ومنى- برك الفيل، وامتنع عن التقدم نحو مكة، وكانوا إذا وجهوه إلى الجنوب أو الشمال أو الشرق انقاد لذلك، وإذا وجهوه للكعبة برك وامتنع، وبينما هم على هذه الحال، إذ أرسل الله عليهم طيراً أبابيل -ومعنى أبابيل يتبع بعضها بعضاً- مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجر في منقاره وحجران في رجليه، لا تصيب منهم أحداً إلا تقطعت أعضاؤه وهلك.
أما أبرهة فقد أصابه الله بداء، تساقطت بسببه أنامله، فلم يصل إلى صنعاء إلا وهو مثل فرخ الحمام، وانصدع صدره عن قلبه فهلك شر هلكة. وقد أخبر الله تعالى بذلك في كتابه فقال: { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل عليهم طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصف مأكول } .
وقد حدثت هذه الواقعة في شهر المحرم قبل مولد النبي
سلم بخمسين يوما تقريبا، وهو يوافق فبراير سنة 571م.
ووقعت في ظروف ساعدت على وصول خبرها إلى معظم أرجاء المعمورة المتحضرة في ذلك الزمن، فالحبشة كانت ذات صلة قوية بالرومان، والفرس لهم بالمرصاد يترقبون ما ينزل بهم وبحلفائهم، وهاتان الدولتان كانتا تمثلان العالم المتحضر في ذلك الزمان.
فلفتت هذه الواقعة أنظار العالم إلى شرف هذا البيت ومكانته، وأنه هو البيت الذي اصطفاه الله تعالى واختاره.
ويستفاد من هذه الحادثة عدد من العبر والفوائد :
أولها بيان شرف الكعبة، وأن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظها ورعايتها من غطرسة وتجبر أبرهة وقومه.
ويستفاد أيضا أن الصراع بين الحق والباطل، وبين الخير والشر دائم لا ينقطع، فأعداء الإسلام لا يفتؤون عن الصد عن دين الله، ومحاربة أوليائه.
وهذه الحادثة تعتبر آية ظاهرة ودلالة واضحة من دلائل النبوة، فكانت هذه الحادثة من باب التمهيد لمبعث النبي
سلم، لاسيما انه ولد
سلم في نفس العام.
وفي هذه الحادثة عبرة لكل طاغية متكبر متجبر في كل العصور والأزمان، لذا جاء فعل تَرَ في قوله (ألم تَرَ) بصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار والتجدد، فكل من طغى وتجبّر، سيكون عقابه ومصيره كمصير أبرهة وجيشه.
إن قصة الفيل وإن كانت حادثة عظيمة، وشأناً كبيراً، إلا أنها رمز واضح على نصرة الله تعالى لدينه ولبيته، فإذا كان أبرهة قد أهلكه الله، فإن أتباعه في كل مكان وزمان هالكون لا محالة، والله يمهل ولا يهمل.