1592684165
السؤال : ما معنى الآية : (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا
الجواب......
لأهل العلم في تفسير هذه الآية قولان مشهوران
:
القول الأول**
أن المعني : لا تنس نصيبك مما أباح الله لك فيها من المآكل
والمشارب والملابس والمساكن والمناكح ، فإن لربك عليك حقًّا ،
ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقا .
تفسير ابن كثير
وهذا قول الحسن وقتادة وابن جريج
.
وقد سئل الإمام مَالِكٌ رحمه الله عَنْ هذه الآية فَقَالَ : (أَنْ يَعِيشَ
وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ غَيْرَ مُضَيِّقٍ عَلَيْهِ فِي رَأْيٍ
ويؤيده قوله تعالى قبلها : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَالآخِرَةَ ) أي
استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة ،في
طاعة ربك والتقرب اليه بانواع القربات ،التي بها يحصل لك
الثواب في الدار الاخرة ومع ذلك لا تنس نصيبك من الدنيا
بينما تأرجحت المذاهب الأخرى بين الاهتمام بالنواحي المادية
الذي يظهر في المدنية الغربية الحديثة ، وأصبح معبودها هو المال
والقوة والرفاهية والرقي المادي - وبين الإزراء بهذا الرقي المادي
والمتاع الدنيوي كما هو الشأن في المذاهب التي تدعو إلى الرهبنة
وتعذيب الجسد من أجل الروح وتهذيبها للوصول إلى مرحلة الفناء
أما الإسلام فيقول الله تعالى : (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة
وقوله : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ
الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ
لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص/77 " .
والقول الثاني
لا تنس نصيبك من الدنيا بأن تعمل فيها للآخرة
.
وهذا القول اختاره أكثر المفسرين ، وهو قول عبد الله بن عباس
رضي الله عنهما
.
قال الشوكاني
:
"قال جمهور المفسرين : وهو أن يعمل في دنياه لآخرته ، ونصيبُ
الانسان عمره وعمله الصالح
قال الزجاج : معناه : لا تنس أن تعمل لآخرتك ، لأن حقيقة نصيب
الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته
"
وعن مجاهد قال : عمرك تعمل فيه لآخرتك . "تفسير ابن أبى حاتم
وقال مجاهد أيضا : لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو
من العذاب ، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة .
"تفسير البغوي
.
وقال الطبري يقول : ولا تترك نصيبك وحظك من الدنيا
، أن تأخذ فيها بنصيبك من الآخرة ، فتعمل فيه بما ينجيك غدا من
عقاب الله
.
"تفسير الطبري
ولا منافاة بين القولين فالمؤمن لا ينسى نصيبه من الدنيا ـ فيتمتع
بها تمتعاً مباحاً ، لا يجره إلى الحرام ، ويستعين بهذا المباح على
طاعة الله تعالى ، فهو ترويح عن النفس ، واستجماع لنشاطها
.
والمؤمن لا ينسى نصيبه من الدنيا ، وهو عمله الصالح الذي
سيصحبه في قبره ، ولهذا أثنى الله تعالى على من يدعو قائلاً :
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )
البقرة/201 .
قال ابن كثير :
" فجمعت هذه الدعوةُ كلَّ خير في الدنيا ، وصرَفت كلّ شر ؛ فإن
الحسنة في الدنيا تشملُ كلّ مطلوب دنيوي ، من عافية ، ودار
رحبة ، وزوجة حسنة ، ورزق واسع ، وعلم نافع ، وعمل صالح
، ومركب هنيء ، وثناء جميل ، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه
عباراتُ المفسرين ، ولا منافاة بينها ، فإنها كلها مندرجة في
الحسنة في الدنيا .
وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن
من الفزع الأكبر ، وتيسير الحساب وغير ذلك من
أمور الآخرة الصالحة "
"تفسير ابن كثير
والله أعلم