نستقبل يوم الاثنين ، يوماً عظيماً من أيام الله تعالى، يوماً مشهوداً، ألا وهو يوم عرفة،وبعده سيقدم يوم عيد الأضحى المبارك، وهو يوم الحج الأكبر، ويوم النحر،ولكلٍ من اليومين أحكام تخصه، ولعلنا نتطرق إلى بعض تلك الأحكام المهمةالتي تهم المسلم، ويريد تحريها، ومعرفة أحكامها، حتى تكون عبادته لربهتبارك وتعالى على بصيرة وهدى ونور، وأعظم ما فيهما من أحكام، الأحكام التيتتعلق بالصيام، فأقول بادئ ذي بدء، للصيام فوائد ومزايا كثيرة، ينبغيللمسلم تتبعها وتقصيها، حتى يعمل بها، ففي صيام التطوع من الفضيلة ما ذكرهالله تعالى في كتابه العزيز بقوله : " فمن تطوع خيراً فهو خير له " [ البقرة ]، وقوله جل شأنه : " وافعلوا الخير لعلكم تفلحون" [ الحج ] فكل إنسان يحتاج إلى فعل الخير والعمل الصالح تقرباً إلى اللهوتعبداً له وزيادة في الأجر والثواب فعطاء الله لا ممسك له، وثوابه لاحدود له، فعلى المسلم أن يكثر من فعل الخير والعمل الصالح يرجو بذلك أحدأمرين : الأول : التقرب إلى الله بفعل الخير : فصيامالتطوع من الأعمال التي تقرب إلى الله تعالى، وهو من أجلها على الإطلاقكما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : الصيام أفضل ما تطوع به، لأنه لايدخله الرياء، والرياء كما تعلمون محبط للأعمال مدخل للنيران والعياذبالله، فالعبد مأمور بالإخلاص ولهذا قال الله تبارك وتعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " [ البينة ]، وقال تعالى : " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً " [ الفرقان ]، وقال الله تعالى : " منكان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاهامذموماً مدحوراً * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كانسعيهم مشكوراً " [ الإسراء ]، وقال جل وعلا : " منكان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لايبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيهاوباطل ما كانوا يعملون " [ هود ]، وقال
سلم، قالالله تعالى : " أنا خير الشركاء من عمل لي عملاً أشرك فيه غيري فأنا منهبريء وهو للذي أشرك " [ رواه الإمام أحمد ]، فانظر هل سينفعك ذلك الإنسانإذا وضعت في قبرك ويوم محشرك. ولهذا كان يقول النبي
سلم :" اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة " [ رواه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1313 ]. فعموماًفصوم النافلة له مزايا عديدة من أعظمها أنه يباعد وجه صاحبه عن النار،ويحجبه منها ويحاج صومه عنه، فقد قال
سلم : " ما من عبديصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعينخريفاً " [ متفق عليه ]،وكثرة الصوم دليل على محبة الله للعبد، ويالها من منزلة عالية ومكانةرفيعة يحظى بها العبد عند ربه فما أن يكثر من الصيام إلا ويحبه ربه، ومنأحبه ربه وضع له القبول الأرض وفي السماء، قال
سلم : " ولايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ". والفضائل كثيرة ونكتفي بماذكرنا لأن المقام ليس مقام ذكر لفضائل ومزايا الصيام وإنما هو لغرض آخر . الثاني : جبر الخلل الحاصل في العبادة : فالإنسانلا يخلوا من خطأ ونقص ومعصية، فكانت النوافل تكمل الناقص من الفرائض ومنذلك الصوم، فهناك مكروهات كثيرة قد يقع فيها صائم الفريضة تنقص أجر صومه،فشرعت النافلة لسد ذلك النقص وترقيع ذلك الخلل . فكلابن آدم خطاء، والكل يجوز عليه الذنب والخطيئة، فشرع التطوع لجبر ذلكالنقص، ولهذا قال النبي
سلم : " التطوع تكمل به الفرائضيوم القيامة " [ رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه أحمد شاكر في تحقيقالمسند ]، فالمسلم يسعى لزيادة الأجر، وتحصيل المثوبة من الله تعالى، ولايتأتى ذلك إلا بفعل الواجبات والإكثار من المستحبات، ومنها الصوم المستحب،مثل صوم يوم عرفة. وهناك أيام وأشهر رغب النبي
سلم في تحريصيامها لما فيها من أجر ومثوبة، وهي من صوم التطوع. ومن ذلك : فضل صوم يوم عرفه : وهواليوم التاسع من ذي الحجة، وقد أجمع العلماء على أن صوم يوم عرفة أفضلالصيام في الأيام، وفضل صيام ذلك اليوم، جاء عن النبي
سلمأنه قال :" صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنةالتي بعده " [ رواه مسلم ]. فصومه رفعة في الدرجات، وتكثير للحسنات،وتكفير للسيئات . ماذا يكفر صوم يوم عرفة : فعموماًلا ينبغي صيام يوم عرفة للحاج أما غير الحاج فيستحب له صيامه لما فيه منالأجر العظيم وهو تكفير سنة قبله وسنة بعده. والمقصود بذلك التكفير، تكفيرالصغائر دون الكبائر، وتكفير الصغائر مشروطاً بترك الكبائر، قال اللهتعالى : " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم" [ النساء ]، وقوله
سلم : " الصلوات الخمس والجمعة إلىالجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر " [ رواهمسلم ] . يوم عرفة ويوم الجمعة : إذاوافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء يوم جمعة جاز إفراده بالصوم، والنهي الواردعن إفراد صوم يوم الجمعة بدون سبب ولكونه يوم جمعة، أي تعظيماً له أو ماشابه ذلك، أما من صامه لأمر آخر رغب فيه الشرع وحث عليه فليس بممنوع، بلمشروع ولو أفرده بالصوم، ولو صام يوماً قبله بالنسبة ليوم عرفة كان أفضل،عملاً بالحديثين السابقين، أما صيام يوم بعده فلا يمكن لأن اليوم الذيبعده يوم عيد النحر وهو محرم صيامه لجميع المسلمين حجاجاً كانوا أم غيرحجاج لحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله
سلم : "نهى عن صوم يومين : يوم الفطر ويوم النحر " [ متفق عليه ]، وروى أبو عبيدمولى ابن الأزهر قال : " شهدت العيد مع عمر بن الخطاب، فجاء فصلى، ثمانصرف فخطب الناس، فقال : إن هذين يومين نهى رسول الله
سلمعن صيامهما ؟ يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم " [رواه البخاري ومسلم ]، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه وتحريمه . وقدأجمع العلماء على تحريم صوم يومي العيدين، نقل الإجماع عنهم ابن حزم فقال: " وأجمعوا أن صيام يوم الفطر، ويوم النحر لا يجوز : [ مراتب الإجماع ص72]. وقال ابن هبيرة : " وأجمعوا على أن يوم العيدين حرام صومهما، وأنهما لايجزئان إن صامهما لا عن فرض ولا نذر ولا قضاء ولا كفارة ولا تطوع " [الإفصاح 3/174 ]. وقال ابن قدامة : أجمع أهل العلم على أن صوم يوميالعيدين منهي عنه، محرم في التطوع والنذر المطلق، والقضاء والكفارة . وكذلكلا يجوز صيام التطوع كالاثنين والخميس أو أيام البيض إذا وافقت أيامالتشريق، وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، لحديثنبيشة الهذلي قال : قال رسول الله
سلم : " أيام التشريقأيام أكل وشرب وذكر لله " [ رواه مسلم وغيره ]، ولم يرخص في صيامها إلاللحاج المتمتع والقارن الذي لم يجد قيمة الهدي فإنه يصوم عشرة أيام، ثلاثةفي الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما : "لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي " [ رواه البخاري ]وقولهما لم يرخص القول : للنبي
سلم والأمر وعدم الترخيص لهبعد الله تبارك وتعالى .
مع حبي وتقديري
أخوكم في الله